Pages

السبت، 26 نوفمبر 2011

استهبال الشعوب العربية في الحروب الوهمية

خاضت معظم الشعوب العربية صراعاً مريراً للحصول على حريتها من الاستعمار الغربي بعد الشعور بمرارة الخديعة والخيانة التي تعرضت لها ثورة العرب للاستقلال عن الاحتلال العثماني، وما إن نالت استقلالها المشروع حتى بدأت تغرق في أوهام حروب مع طواحين الهواء. حروب وهمية تفوق طاقتها، تلهب مشاعر الملايين، وتلهيهم عن حقوقهم الأساسية في العيش الكريم والحرية والعمل والتعليم وكل ما له علاقة بالحياة الآدمية، ورويداً رويداً استقالت هذه الشعوب من المشاركة الفاعلة في تقرير مصيرها ومستقبل أبناءها. ولعل النظام السوري كان من أبرع الأنظمة العربية في التفنن بهذه اللعبة الماكرة، فأبدع في صوغ شعارات فارغة تركز على الوحدة العربية و مقارعة الامبريالية ومحاربة اسرائيل ومعاداة الرجعية والممانعة والمقاومة وغيرها الكثير الكثير من القضايا التي ألهب بها مشاعر أبناء الشعب دون أن يفعل هو نفسه شيئاً لأجلها سوى ابتزاز السوريين وانتهاك حقوقهم. بعض الأنظمة العربية الأخرى دخلت في خدع أخرى أكثر تضليلاً وبهتاناً ولاسيما نظام آل سعود الذي امتشق سيفاً خشبياً للدفاع عن الاسلام وأرض الاسلام وعزة الاسلام فما كان من أحدٍ آذى الاسلام بالشكل الذي آذاه آل سعود أنفسهم بفسادهم ونفاقهم وازدواجيتهم واستخدام الدين كوسيلة للهيمنة على ثروات البلاد ونهبها.  وبالعودة إلى حلم الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وحدةً أقرب إلى الانصهار مستحيلة التحقيق، نرى أنه لم يكن هناك نظام عربي تطرَّف بابتزاز شعبه وانتهاك آدميته وحقوقه بالشكل الذي أمعن فيه الطاغية الأسد الأب وأفراد عصابته ومن ثم الطاغية الصغير طبيب العيون الأعمى الذي لا يستطيع أن يرى كم يمقته السوريون ويصر على حكمهم بالحديد والنار.  اليوم الشعوب أفاقت على حجم الوهم وفداحة الخسارة وأيقنت أن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر عبر حريتها هي أولاً، وأن لا مجال لمحاربة الرأسمالية والامبريالية وتحقيق الحرية إلا باسقاط النظام نفسه الذي هو صنيعة الامبريالية كخطوة أساسية لا بد منها. ولكن الأنظمة العربية لن تسلِّم دفة القيادة طوعاً لأحد، فكل الطغاة العرب يعملون وفق نظرية "إما أنا أو الطوفان"، ومن يقول أن بشار الأسد هو وحده المستكلب على السلطة، هو واهم، بشار هو كلب من هذه الكلاب المسعورة التي تم تعيينها من قبل قوى الامبريالية نفسها في كل بلد عربي على حدة. ولكن في كل بلد عربي هناك كلب بصورة أسد، أو جمل بهيئة زعيم، ولا يمكن الوصول إلى شيء ما لم يتم اسقاطهم الواحد تلو الآخر، فسوريا لا يمكن لها أن تتحرر وتبني نظاماً ديمقراطياً إذا بقي آل سعود وآل ثاني وآل خليفة وآل نهيان وغيرهم من دجالي الخليج وعبد الله الصغير صاحب نظرية "الهلال الشيعي" الفذَّة، يصولون ويجولون ويوظفون الملايين للتحكم برقاب السوريين وغيرهم من شعوب المنطقة المغلوبين على أمرهم.
اليوم الحرب الوهمية أكبر بكثير من حرب القومية العربية والوحدة فمنذ سنوات بدأنا نسمع ترهات وهلوسات رجال الدين حول الشيعة والسنة بتوجيه وتمويل مدروسين من طغاة الخليج لالهاء الشعوب بمعارك خرافية لا طائل منها. فبدل أن تساءل الشعوب العربية حكامها عن سياساتهم الداخلية والخارجية وعن التعليم والصحة وحق الانسان في الحرية والكرامة، تجلس كمن أخذ جرعة مخدر أمام التلفاز لتشاهد أصحاب العمامات البيضاء والسوداء واللحى المخضبة بالأحمر والأسود وهم يطلون برؤوسهم الفارغة كالطبول لينذروا الأمة من شر الآخر الشيعي أو السني. ولعل أول طاغية ترجم هذه الحرب الوهمية بالكلمات الصريحة هو عبد الله الصغير في الأردن حيث حذر بعبارته الشهيرة من "هلال شيعي" بالغ الخطورة تحاول ايران إقامته ليشمل سوريا ولبنان. نسي حضرته تاريخ أبيه والهلال الصهيوني الذي خان أباه كل الفلسطينيين لتقويته وتمكينه في المنطقة. وفي محاولة غبية من عبد الله طاغية الأردن لجعل شعبه ينسى آلام الجوع، وانعدام الحريات، وضياع الحقوق، أراد أن يلعب على وتر الطائفية كمنهج جديد يجعله في حصانة من السقوط الحتمي في مزبلة التاريخ.
منذ كم عام وآل سعود يمولون صراعاً طائفياً مستعراً في كل دول الجوار باستخدام الكهنوت الاسلامي ليحموا أنفسهم من المساءلة؟ منذ كم عام أصبح هاجس الانسان العربي هو من تشيع، ومن تسنن ومن دخل الاسلام ومن ترك الاسلام ومن ومن؟
منذ كم عام نسي شعاوذة الاسلام وعلى رأسهم شيوخ الوهابية في السعودية وقطر بدءاً بمفتي السعودية والقرضاوي وصولاً إلى السلفي المجرم العرعور وأرباب العمائم السوداء من مشعوذي الشيعة، كل قضايا الأمة ومشاكلها وانشغلوا وأشغلوا الشعوب بموضوع الصراع بين السنة والشيعة، وكأن الانسان العادي المحروم من لقمة الخبر وليتر المازوت للتدفئة وفرصة العمل والتعليم والرعاية الصحية، لا همَّ له إلا من تشيع ومن تسنن ومن اعتنق المسيحية وكم زاد عدد المسلمين! من يدفع لهؤلاء النصَّابين رجال الدين الذين يصرون على أن لحومهم مسمومة، وعلى رأسهم القرضاوي، الذي لا ينفك يذكر الناس بمدى تأثير السم في لحمه، وينسى أن يذكر السم الذي يقطر من لسانه.  وأقول لهم جميعاً طبعاً لحومكم مسمومة ولا بد من التخلص منها ورميها في محرقة التاريخ مع لحوم زعمائكم وأولياء نعمتكم الطغاة العرب، حتى يضع الانسان العربي قدمه على أول درجات سلم الحرية.
الحرب اليوم أكثر استنزافاً من محاربة طواحين الهواء باسم الوحدة العربية، التي لم نر منها سوى التشتت والفرقة. الحرب اليوم هي حرب تمس شغاف قلب كل من يسمي نفسه مؤمناً ويرى الطريق إلى الجنة معبَّداً بعظام جاره "الكافر".  الحرب الوهمية اليوم أكثر خطورةً لأنها لا يمكن أن تؤدي إلا إلى حروب أهلية تحرق الأخضر واليابس، فالتسامح الديني في العالم العربي ليس رفاهيةً بل هو اكسير الحياة... ولا خيار سوى قبول الآخر ومحبته والسلام معه.
تسقط الأنظمة العربية جميعها دون استثناء، يسقط رجال الدين والجهل والشعوذة، دعاة الحروب الأهلية وأعداء الانسان.

هناك تعليق واحد:

امل يقول...

جميل جدا اشعر بالحزن لحال المواطن العربي اينما كان لا ادري هلى نحصد صمتنا عن هؤلاء الفراعنة الذين يحكمونا والان شيوخ السلاطين يزرعون السموم بيننا ثورتنا يجب ان تسقط الانظمة ورجال الدين وكل متجبر يحاول النيل من شعوبنا